كتابات

اعتداء الوارث على أموال التركة الشائعة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تقع جريمة الاعتداء على ملك الغير إذا قام أحد الورثة بالاعتداء  على أموال التركة الشائعة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-2-2013م في الطعن رقم (46656)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة تجد: أن ما نعاه الطاعن في محله، ذلك أن محل النزاع مشاع بين الورثة جميعاً، ومن ضمنهم المطعون ضدهما إلا أن ذلك لا يخولهم التصرف استقلالاً فيما هو ملك جدهم قبل قسمته بين الورثة، كما أنه لا يعفيهم من العقاب المقرر شرعاً وقانوناً عما ارتكبوه من اعتداء على ما لم يتم قسمته، فذلك اعتداء على حرمة ملك الغير من بقية الورثة الذي لا زال مشاعاً وذلك بالبيع أو قلع الأشجار وغير ذلك مما نسب إليهما، كما أن القسمة منفصلة عن دعوى الإعتداء ولا يتوقف أحدهما على الفصل في الآخر))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الطبيعة القانونية لأموال التركة الشائعة:

التركة الشائعة تعني أن كل وارث يمتلك النصيب الشرعي المقرر له وفقاً لقواعد الميراث في الشريعة الإسلامية وذلك في كل أموال التركة ومكوناتها والأشياء القائمة على أموال التركة كالأبنية والأشجار وتكون الملكية مختلطة لا يتميز نصيب كل وارث عن غيره ، فقبل القسمة تكون ملكية التركة كلها شائعة مختلطة بين الورثة بحسب أنصبتهم الشرعية، وفي هذا المعنى عرفت المادة (1180) مدني الملكية الشائعة بأنها (أن يملك اثنان أو أكثر مالاً عيناً أو ديناً بسبب من أسباب الملك)، وملكية الورثة للتركة الشائعة تكون من قبيل الشراكة القهرية التي عرفتها المادة (1181) مدني بأن (الشركة بالقهرية: هي أن يملك الشركاء مالاً بالإرث أو باختلاط أموالهم بغير اختيار منهم اختلاطاُ لا يمكن معه تمييز مال كل منهم إن كان المال متحد الجنس أو يمكن تمييز مال كلٍ منهم بمشقة وكلفة إن كان المال مختلف الجنس).

الوجه الثاني: الطبيعة القانونية لجريمة الاعتداء على ملك الغير:

من المعلوم أن جريمة الاعتداء على ملك الغير تهدف إلى حماية الحائز للمال بغض النظر عما إذا كان مالكاً للمال الذي يحوزه أم غير مالك ، فالتجريم والعقاب في جريمة ملك الغير لا يهدف إلى حماية الملكية، وإنما يهدف إلى توفير الحماية للحائز للمال حتى لا يلجأ الأفراد إلى أخذ الأموال بالقوة من حائزيها، فتنتشر الفوضى في المجتمع وتسود شريعة الغاب، فمن كانت له دعوى بشأن ملكية المال الذي يحوزه الحائز، فله أن يلجأ إلى القضاء للحصول على حقه عن طريق الدعوى المناسبة المقررة في القانون، وقد نظم قانون الجرائم والعقوبات جريمة الاعتداء على ملك الغير ضمن الفصل الرابع المسمى (الاعتداء على ملك الغير) الذي تندرج ضمنه ثلاث جرائم هي: جريمة الإضرار بالمال وجريمة الإخلال بالثقة في بيع العقارات والتصرف الضار بالمرتهن وجريمة نقل وإزالة الحدود، حيث نصت المادة (221) على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو أعدم أو أتلف عقاراً أو منقولاً أو نباتاً غير مملوك له أو جعله غير صالح للاستعمال أو أضر به أو عطله بأية كيفية…إلخ)، فهذا النص يجرم الإضرار بمال الغير مطلقاً سواء أكان هذا المال مفرزاً أم شائعاً، فالوارث حينما يقوم بقلع الأشجار من الأرض المشتركة الشائعة فيما بينه وبين الورثة الآخرين فإنه يكون معتدياً على ملك غيره من الورثة الآخرين المالكين في المال المعتدى عليه على وجه الشيوع كل وارث بقدر نصيبه، ولذلك ينطبق بشأنه وصف جريمة الاعتداء على ملك الغير وتوقع عليه العقوبة المقررة على فعل الاعتداء على ملك الغير.

كذلك الحال إذا قام الوارث ببيع بعض أو كل أموال التركة الشائعة فإنه بفعله هذا يكون قد ارتكب جريمة الإخلال بالثقة في بيع العقارات المنصوص عليها في المادة (222) عقوبات التي نصت على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة البائع إذا أعاد بيع عقار سبق له بيعه أو باع أكثر من الحصة أو القدر المملوك له…إلخ)، فالوارث حينما يقوم ببيع مال من أموال التركة الشائعة فإنه يكون قد باع أكثر من حصته الشرعية في المال الذي قام ببيعه لأنهم خلطاء في كل أموال التركة كل بحسب نصيبه الشائع، ولذلك تنطبق على فعل الوارث في هذه الحالة هذه الجريمة.

واستناداً إلى النصين السابقين (221 و222) عقوبات فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإدانة الوارث الذي قلع الأشجار من إحدى أراضي التركة الشائعة وقام ببيع أرض من أراضي التركة الشائعة.

الوجه الثالث: جواز بيع الوارث لحصته الشائعة في التركة الشائعة:

إذا كان قيام الوارث ببيع أي مال من أموال التركة جريمة يعاقب عليها القانون حسبما سبق بيانه في الوجه الأول، بيد أن قيام الوارث ببيع حصته الشائعة في التركة كلها أو في مال معين من أموال التركة، فإن ذلك التصرف جائز قانوناً بموجب المادة (1182) مدني التي نصت على أن (لكل واحد من الشركاء في الملك أن يتصرف في حصته كيف يشاء لشريكه مطلقاً ويقر شريكه بدون إذن الشريك الآخر إذا كان التصرف لا يضر نصيبه، وبإذنه إذا كان التصرف يضر نصيبه، وإذا تصرف الشريك في حصته بدون إذن شريكه مع تحقق الضرر كان لشريكه أن يبطل التصرف ولا يخل ما تقدم بحق الشريك في أخذ حصة شريكه المتصرف فيها بالشفعة طبقاً لشروطها المنصوص عليها في بابها)،  فالوارث حينما يبيع حصته الشائعة في أموال التركة يكون قد اقتصر بيعه على نصيبه الشائع في حين أن بيعه لأي من أموال التركة مفرزاً فإنه يكون قد باع أكثر من حصته مهما كان حجم المبيع، فهو قد اعتدى على أنصبة غيره في المال الشائع، والله اعلم .

Loading