دراسات وبحوث

جرائم السطو المسلح في القانون اليمني

ثغرة تشريعية ينبغي تداركها!!

 

بقلم المستشار الدكتور. صالح عبد الله المرفدي*

مما لا شك فيه، أن الأمن يعد من المطالب الأساسية التي يطالب بها كل مجتمع، ويسعي إليها كل قانون، بل إنه قديما، كانت تقوم الثورات والحروب؛ بهدف الحصول على الأمن والاستقرار. وفي هذا الإطار، عانى المجتمع اليمني، من انتشار الكثير من الجرائم الخطيرة، تزامنا مع أحداث فبراير 2011، ومنها جرائم “السطو المسلح”، سواء على المرافق العامة، أو الخاصة، أو السكنية، ولدوافع مختلفة، كالسيطرة عليها، أو سرقة ما بداخلها، أو تهديد الساكنين، أو خطفهم، أو اغتصابهم، أو قتلهم، ونحو ذلك من دوافع اجراميه…

–  وفي هذه الدراسة القانونية الموجزة، سنجيب على أهم تساؤل هو: هل يجرّم ويعاقب القانون اليمني على جرائم السطو المسلح؟؟ ومن هذا المنطلق، نتناول هذه الدراسة في محاولة للإجابة على التساؤل المذكور، من خلال الحديث في المحور الاول عن مفهوم السطو المسلح، وموقف التشريعات العربية من الجريمة، ثم نستعرض في الثاني النصوص القانونية اليمنية المشابهة لهذه الجريمة، وندرس في المحور الثالث تحليل هذه النصوص بشكل جلي؛ لمعرفة هل هي كافية لتجريم السطو المسلح، ثم نضع المقترحات والتوصيات اللازمة لمعالجة أي قصور تشريعي، ونختمها بخلاصة مختصرة.

المحور الأول

المفهوم وموقف التشريعات العربية

١ المفهوم:

يعرف السطو اصطلاحا بأنه: “الدخول غير القانوني إلى مبنى؛ لارتكاب جريمة”. وعادة ما تكون هذه الجريمة سرقة، أو لارتكاب جرائم أخرى، سواء كانت جسيمة أو غير جسيمة.

٢-  موقف التشريعات العربية:

بصفة عامة، نجد أن التشريعات العربية، متفقه على هذه الجريمة؛ باعتبارها دخول على قسم من بناية، داخليا كان أم خارجيا، أو فتح بابا أو نافذة، أو أي شيء أخر منها، سواء كان بفتح القفل، أو بكسر الباب، أو النافذة، أو بالسحب، أو بالدفع، أو بأي طريقة أخرى، فاذا تحققت احدى هذه الافعال، نكون امام جريمة سطو على بنايه، إذا كان الجاني لا يحمل سلاحاً ظاهرًا أو مخفيًا، اما إذا كان يحمل سلاحًا ناريًّا، أو سلاحًا أبيض، أو أي نوع من الأسلحة التي تروع الأشخاص، فنكون امام سطو مسلح.

–  ومن نافلة القول، أن بعض التشريعات العربية، لم تشترط لحدوث جريمة السطو، أن يدخل المتهم بنفسه إلى البناية، فمن الممكن أن يدخل يده، مثلًا من أحد الشبابيك ويسرق مالًا، أو جوالًا، أو أي شيء من داخل البناء، فهذا سطو بالمقام الأول، ومن الممكن، أن يدخل اللص آلة لسحب شيء من المنزل مثلًا، فإذا ضبط متلبسًا وبحوزته سلاحًا، كان سطو مسلحا، وإن لم يحمل سلاحا، كان سطو عاديا.

–  وجدير بالذكر، أن التشريعات العقابية العربية، نصّت صراحة على أن السطو يكون بغرض السرقة، واعتبرته ضمن جرائم السرقة، مع توافر ظروف مشدد لها، والى جانب هذه الجريمة، نصت تلك التشريعات على تجريم السرقة باكراه بنصوص مستقله ايضا؛ تأكيدًا على أن السطو المسلح جريمة مستقله، تختلف عن السرقة باكراه، وهو الرأي الذي نميل أليه ونؤيده؛ وسنبين اسباب ذلك في الجزء الثالث من هذه الدراسة! وعلى العكس من ذلك، توسعت شروحات الفقه الجنائي، والتطبيقات القضائية العربية، في مدلول جريمة السطو المسلح، من خلال تعدد القصد من ارتكابه، فلم تحصره على السرقة وحدها، بل قد يكون الباعث أو الدافع من السطو، ارتكاب جرائم خطيرة، منها غير جسيمه، كالتهديد باستخدام القوة، أو الضرب، ومنها جسيمه، كالخطف، أو الاغتصاب، أو حتى بقصد التعذيب أو القتل.

المحور الثاني

موقف المشرع اليمني

استنادًا لما سبق ذكره، من تساؤل وضعناه في التمهيد، فإننا نجيب وبشكل مبدئي، بأن القانون اليمني، لا يجرّم ولا يعاقب على هذه الجريمة، بنص خاص، وصريح، وقاطع، وإن كان يعتقد البعض، أنه يجرمها ضمن نصوص متفرقه ومبعثرة في القانون!، وسنستعرض هذه النصوص، كما جاءت نصًا في صُلب القانون، وندرسها بالتأصيل والتحليل والمقارنة، مع جريمة السطو المسلح في التشريعات العربية، وأهم هذه النصوص:

الفرع الأول

جريمة انتهاك حرمة المسكن

1 – النص القانوني: مادة (253):

“من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو أحد ملحقاته، أو أي محل معداً لحفظ المال أو عقاراً، خلافاً لإرادة صاحب الشأن، وفي غير الأحوال المبينة في القانون، وكذلك من بقي فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه.  وتكون العقوبة… إذا وقعت الجريمة ليلاً، أو بواسطة العنف على الأشخاص، أو الأشياء، أو باستعمال سلاح، أو من شخصين فأكثر، أو من موظف عام، أو ممن ينتحل صفته”.

2 – تحليل ومقارنة النص:

تطبيقًا لمعنى هذا النص، وبمقارنته مع جريمة السطو المسلح، نجد أن وجه الاختلاف بين الجريمتين، يكمن في الدافع أو الباعث من وراء ارتكاب الجريمتين، فجريمة انتهاك مسكن، تقتصر على مجرد الدخول اليه، أو البقاء فيه فقط، بعكس جريمة السطو المسلح، فيتوسع مفهوم الدافع، فلا يقتصر الأمر لمجرد دخول المبنى، بل يستلزم أن يكون هذا الدخول؛ بقصد ارتكاب جريمة جسيمة أو غير جسيمه.. حتى لو تشابهت الجريمتين في الظروف المشددة الاخرى، كالدخول وقت الليل، أو من قبل شخصين فأكثر، أو كان الجاني يحمل سلاحا، ونحو ذلك.. فلا يمكن اعتبار جريمة انتهاك مسكن هي نفسها سطو مسلح؛ لاختلاف الباعث والدافع الشرير والعدواني في السطو المسلح كما ذكرناه سابقا.

الفرع الثاني

جريمة السرقة بإكراه

1 – النص القانوني: مادة (301):

“إذا صاحب الجريمة التي لا تتوافر فيها شروط الحد، إكراه أو تهديد، كان من شأنه تعريض حياة المجني عليه أو صحته للخطر، أو وقعت الجريمة من شخصين فأكثر، باستعمال أسلحة أو أشياء أخرى تستعمل كأسلحة، وتسبب عن استعمال القوة حدوث جراح بالغة، تكون العقوبة…الخ”.

2 – تحليل ومقارنة النص:

مما سبق، يتضح أن اوجه الاختلاف بين السرقة بالإكراه والسطو المسلح، يتجلى في عدة صور:

 أولاً/ تختلف الجريمتين بنفس صورة الاختلاف، بين جريمة السطو المسلح، وجريمة انتهاك مسكن، والمتمثل “بالباعث أو الدافع” من وراء ارتكاب الجريمتين، فالسطو كما ذكرنا دوافعه عديدة ومتنوعة، فلا يقتصر الأمر على السرقة، بل قد يكون السطو للتهديد، أو التعذيب، أو الخطف، أو القتل ونحو ذلك كما ذكرنا.

ثانيا/ تختلف الجريمتين في “مكان ارتكابهما”، فالسرقة بإكراه، مكانها عام ومطلق وغير مقيد بالتحديد، فيمكن أن ترتكب في السوق، أو الشارع، أو في وسيلة من وسائل المواصلات، بعكس السطو المسلح، فينحصر مكان ارتكابها في “مبنى”، سواء كان سكنيا أو تجاريا، ولا يمكن أن يتحقق السطو خارج هذا المبنى؛ لأنها تخرج عن المعنى الحقيقي للجريمة.

ثالثا/ تختلف الجريمتين في محل الحماية، فمحل حماية جريمة السرقة العادية هو المال، أما جريمة السرقة بإكراه فهو المال والأشخاص، فيما محل الحماية لجريمة السطو المسلح “إذا كانت بقصد السرقة؟”، فهو المكان أولا (المبنى)، ثم الاشخاص ثانيا، ثم المال ثالثا.

–  وغني عن البيان، أن هناك بعض وقائع السرقة بالإكراه، تتشابه الى حد كبير مع السطو المسلح، لكن لا يمكن أن تقوم الجريمة الأولى مقام الثانية، ومثالها: قيام أكثر من شخص بالدخول الى مبنى تجاري، “سوبر ماركت أو بنك”، عنوة أو بالحيلة؛ لغرض السرقة، وكان احدهما يحمل سلاحًا، ظاهرًا أو مخفياً. فهل يمكن اعتبارها هذا الفعل، سرقة بإكراه، أم سطو مسلحا بقصد السرقة؟

–  بالتأكيد فهي جريمة سطو مسلح؛ لأن الدخول الى مبنى تجاري وبالسلاح، هو الأساس القانوني، لتجريم هذه الواقعة، وما السرقة بالقوة، إلا باعث ودافع لجريمة السطو المسلح، ولو تشابهت الجريمتين في اجتماع الظروف المشددة الاخرى، كالإكراه أو التهديد، أو ان ترتكب من شخصين فأكثر، وما شابه ذلك.

فيبقى أصل الفعل والواقعة كما هو، سطوً مسلحًا بقصد السرقة. وحتى على افتراض، أن السطو المسلح هو سرقه بإكراه، وتحققت واقعة دخول الجناة للمبنى (السطو)، لكن لم تتحقق واقعة السرقة؛ لعدم وجود المسروق مثلا، فهل نقول إن الجريمة شروع بالسرقة؟!  بالتأكيد لا.. فالجريمة أساسًا هي سطو مسلح، وهي بحد ذاتها تستحق العقاب، بصرف النظر عن الدافع من وراء جريمة السطو.

الفرع الثالث

جريمة الحرابة

أ – النص القانوني: مادة (306):

“من تعرض للناس بالقوة أيا كانت في طريق عام، أو صحراء، أو بنيان، أو بحراً، أو طائرة، فأخافهم وأرعبهم على نفس، أو مال، أو عرض، واحداً أو جماعة، أو لأي غرض غير مشروع، قهراً أو مجاهرة، أعتبر محارباً”.

ب – تحليل ومقارنة النص:

يتضح أن اوجه الاختلاف بين الحرابة، والسطو المسلح، يكمن في (مكان ارتكاب الجريمة)، فالسطو كما علمنا، يكون محصورًا في “مبنى” سكني أو تجاري، ولا تتحقق الجريمة خارج هذا المبنى، أما الحرابة، فمكانها هو الطريق، سواء كان طريقا عاما، أو صحراويا، أو عمرانيا، أو في وسيله من وسائل المواصلات، البرية، والبحرية، والجوية.. وإن تشابهت الجريمتان، في اسلوب ارتكابهما عن طريق “المغالبة والقوة”، لكنهما تختلفان في اسلوب الظهور بالجريمة، “فالمجاهرة” دائما ما تكون ملازمه لجرائم الحرابة، بعكس جريمة السطو التي يمكن ارتكابها “بالخلسة” احيانًا، عن طريق الدخول للمبنى خفيه، ثم ابراز القوة واظهار السلاح داخل المبنى، كما يمكن ارتكاب السطو “بالحيلة”، كانتحال صفة الموظف العام لغرض الدخول للمبنى.

–  وفي نفس الصدد، قد يعتقد البعض، أن السطو المسلح نوع من المغالبة والقوة، ومظهر من مظاهر الافساد، المتعلق بمحاربة الله ورسوله، تماشيًا مع المفهوم الشرعي العام لجريمة الحرابة، واجيب على هذا الاعتقاد، بأن القاضي ملتزم، بأن يطبق القانون اليمني، حتى لا يكون التجريم عُرضة للاجتهاد، وبما أن القانون جرّم الحرابة، بنصوص ومعايير وشروط منضبطة، ولم يجعل التجريم عرضه للاجتهاد والأمزجة والاهواء، ناهيك عن ذلك، بأن حكم الحاكم (المشرع) يرفع النزاع عند الاختلاف، واستخلاصًا لما سبق، فإن مدلول ومفهوم الحرابة في القانون اليمني وركنها المادي، انحصر في فعل قطع الطريق، سواء كان عاما أو صحراويا، أو عمرانيا، أو بأي وسيله للمواصلات… لذلك، فإن الاختلاف والتباين ظاهر وصريح، بين اركان الحرابة المذكورة في القانون اليمني، وبين اركان جريمة السطو المسلح، وإن تشابهت الجريمتان في دوافع وبعض اساليب ارتكابهما، كما ذكرنا سابقا.

 وفي الاجمال، فإن الجرائم الثلاث، لا يمكن أن تستوعب جريمة السطو المسلح، وتقوم مقامها بأركانها المادية والمعنوية وعناصرها الأخرى، بحيث لا يستدعي الأمر استحداث نص قانوني جديد، لتجريم فعل السطو المسلح، وفقا للمقترحات والتوصيات الاتية:

المحور الثالث

خاتمة النتائج والتوصيات

أولا: النتائج:

– لعله من المفيد في خاتمة هذه الدراسة الموجزة، أن نؤكد بأن الفقهين القانوني والاسلامي، حصرا القاضي بعدم الاجتهاد والقياس، في مجال التجريم، وبالأخص في “جرائم الحدود، ومنها الحرابة”؛ لإن القاضي هو ماكينة لتطبيق القانون، فلا يحكم بعلمه الشخصي، وإنما على أساس النصوص، والقواعد الموضوعة له، ولا يمكن له تجريم فعل لم يجرمه القانون، وكذلك لا يمكن له القياس؛ لأنه قد يؤدي ذلك الى تعارض قانوني. وبناءً على ذلك، إذا سمح للقاضي بالاجتهاد والقياس في التجريم، لما كان هناك حاجة للقانون!

–  ومن ثم، لا مناص من القول، بعدم جواز الاجتهاد والقياس على تطبيق نصوص متعلقة بجريمة معينة، على واقعه أو جريمة لم يضع لها القانون نصوص صريحه قاطعه جازمة. ولو أن القياس يحقق العدالة في اغلب النصوص المتعلقة بالأحوال المدنية أو الشخصية أو التجارية ونحو ذلك… بعكس النصوص المتعلقة بالتجريم، يتوجب على القاضي الالتزام بما هو منصوص عليها؛ لأن التجريم يحكمه “مبدأ المشروعية”، وطالما لم يجد القاضي النص، فلا يجوز له الاجتهاد، وإلا كان هذا مخالفاً لمبدأ المشروعية، كما أن فتح باب الاجتهاد والقياس للنصوص التجريمية، قد يصل بالأمر الى اختلاف التطبيقات بين المحاكم؛ بسبب تباين الاجتهاد والتأويل لتلك النصوص.. فقد يعتبر البعض، أن السطو المسلح سرقة بإكراه، والبعض يعتبرها انتهاك حرمة عقار، والبعض الاخر قد يعتبرها حرابه.. ومن هذا المنطلق، أسسنا وجهة نظرنا؛ بأفراد نص تجريمي وعقابي، صريح وجازم، ومستقل، لجريمتي السطو المسلح.  إن من الاهمية، استحداث نص خاص صريح وجازم؛ لتجريم فعل السطو المسلح، باعتبارها من أخطر الجرائم التي تخلّ بالأمن العام والخاص، وترهب المجتمع، وتنشر الذعر والخوف بين افراده…  ولما سبق ذكره، نقترح ونوصي المشرع اليمني، أن يضيف نص قانوني جديد، يُجرّم السطو المسلح ويعاقب عليه، وعلى النحو الاتي:

ثانيا: التوصيات:

١ نقترح على المشرع، النص صراحة للركن المادي، بأنه الدخول لمبنى، سواء كان تجاري، أو معد للسكن، بالقوة، أو بالحيلة، أو بأي طريقة أخرى، دون أذن صاحبه؛ وذلك بقصد ارتكاب جريمة.

٢ من المستحسن، ذكر أن يكون الفاعل أكثر من شخص، وان يكون مسلحًا بأي نوع من الأسلحة، ولو كانت غير ناريه، ظاهره أو مخفيه.

٣ ندعو المشرع، أن يذكر الظروف المشددة للجريمة، على النحو الاتي: إذا كان السطو المسلح ليلاً، أو بقصد السرقة، أو التهديد، أو الخطف، أو الاغتصاب، أو القتل ونحو ذلك… وبعبارة مختصرة، بقصد ارتكاب جريمة جسيمة، أو غير جسيمة.

٤ نوصي المشرع، بأن تكون العقوبة لا تتجاوز ثلاث سنوات؛ إذا كان الفعل سطواً بالسلاح، دون أن يترتب عليه ارتكاب جريمة أخرى.

٥  نهيب بالمشرع، تشديد العقوبة بالحبس لمدة سبع سنوات، إذا كان سطوا مسلحا؛ بقصد ارتكاب جريمة غير جسيمه، كالتهديد أو الضرب، وتضاعف العقوبة الى حد الحبس بخمسة عشر سنه، أو الاعدام؛ إذا كان السطو المسلح؛ بقصد السرقة؛ أو الخطف، أو الاغتصاب أو التعذيب أو القتل، ودون الاخلال بما تترتب علية الجريمة من اضرار تقتضي بحق الدية والارش.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* قاضي محكمة نقض- دكتوراه في القانون الجنائي- جامعة عين شمس.

 

 

Loading