كتابات

وجوب إرفاق أصل المحرر المزور ضمن ملف القضية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*

المحرر المدعى بتزويره هو المحل الذي تقع فيه جريمة التزوير، وفي الوقت ذاته هو الدليل على جريمة التزوير، كما أنه يتعذر الوقوف على فعل التزوير وكشفه من قبل الجهة الفنية المختصة (الأدلة الجنائية) إلا عن طريق فحص أصل المحرر المدعى تزويره لمعرفة عمر الورقة وعمر الحبر ونوعه وطريقة كتابة الحروف.. إلخ، إضافة إلى أن قانون الإثبات  يصرح بأن الحجية تكون لأصول المحررات وليس لصورها، ولذلك يجب أن يتم إرفاق أصل المحرر المدعى تزويره ضمن ملف القضية حتى تتمكن النيابة ومحكمة الموضوع من  الاطلاع على أصل المحرر، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-2-2013م في الطعن رقم (45755)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ولما كان البين من الاطلاع على أسباب عريضة طعن الطاعن تجد الدائرة ان الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه :ان محكمتي الموضوع لم تطلعا على أصل المستند المدعى ان الطاعن قام بتزويره، كما ان المحكمتين لم تقوما بمواجهة الطاعن بأصل المستند المشار إليه اثناء نظر القضية ، وذلك يخالف المادة (341) إجراءات، والدائرة تجد أن نعي الطاعن في محله، إذ أن جهاز الرقابة والمحاسبة الذي اكتشف التزوير قد ذكر في تقريره بأنه وجد صورة الكشف المدعى تزويره في ملف الموظف، حيث اعتمدت النيابة العامة على إفادة جهاز الرقابة ولم تتحقق من الأمر وتحصل على أصل الكشف للوقوف على الحقيقة، وكذلك لم تقم محكمتا الموضوع بذلك  حتى تتأكد من  واقعة التزوير في أصل الكشف المدعى بتزويره، مما يستوجب قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية أصل المحرر المزور:

أصل المحرر المزور: هو الوثيقة التي وقع فيها فعل التزوير إما عن طريق اصطناع المحرر ذاته أو الإضافة أو الحشر أو الحذف فيه، فأصل المحرر: هو المحل الذي وقع فيه أو عليه فعل التزوير، ويكون أصل المحرر أكثر وضوحاً من صورته التي قد تكون عرضة للتلاعب والعبث عن طريق فنيات التصوير الرقمي والفوتوغرافي، إضافة إلى أن مطالعة أصل المحرر المدعى بتزويره في حالات كثيرة قد يمكن المطالع من معرفة أفعال التزوير في المحرر بالعين المجردة، علاوة على ان المتخصصين في الأدلة الجنائية يذكرون أنه يتعذر عليهم التأكد من فعل التزوير من عدمه من غير وجود أصل المحرر المدعى بتزويره الذي يتم  فحصه تقنيا للوقوف على الحقيقة ومعرفة البيانات اللازمة كعمر الوثيقة وعمر الحبر ومقاسات ومسافات الكتابة وطريقة كتابة الحروف ومعرفة عمر الحبر.. إلخ، ومن هذا المنطلق يكتسب أصل المحرر المدعى تزويره أهميته في إثبات واقعة التزوير.

الوجه الثاني: وجوب إرفاق أصل المحرر المدعى بتزويره:

قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب إرفاق أصل المحرر المدعى بتزويره خاصة إذا كان المتهم بالتزوير منكراً لواقعة التزوير، لأن إرفاق أصل المحرر المدعى بتزويره يمكن جهة التحقيق الابتدائي( النيابة العامة) من مباشرة إجراءاتها والتأكد والتثبت من واقعة التزوير وأثرها ونسبتها للمتهم، إضافة إلى أن إرفاق أصل المستند يمكن النيابة العامة من الاستعانة بالخبرة الفنية (الأدلة الجنائية) لكشف التزوير ومعرفة الفاعل ومدى نسبة فعل التزوير له عن طريق فحص أصل المحرر، فضلاً عن ان وجود أصل المحرر المدعى تزويره يمكن النيابة ومحكمة الموضوع من مواجهة المتهم بأصل المحرر، حتى يتمكن المتهم من تحضير وإبداء أوجه دفاعه بشأن واقعة التزوير المنسوبة له حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: وجوب إطلاع النيابة ومحكمة الموضوع على أصل المحرر المدعى بتزويره:

قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب مطالعة النيابة العامة لأصل المحرر المدعى تزويره ومواجهة المتهم بأصل المحرر باعتبار الأصل هو المحل الذي  وقع فيه فعل التزوير المدعى به حتى يحضر المتهم أوجه دفاعه وحتى تقف وتحيط النيابة ومحكمة الموضوع  بواقعة التزوير المدعى بها، وفي ضوء ذلك تتمكن النيابة من مباشرة التحقيق الابتدائي، وكذلك الحال بالنسبة لمحكمة الموضوع، إذ يجب عليها ان تطلع على أصل المحرر المدعى بتزويره، لأن حكم محكمة الموضوع يعتمد على التحقيق النهائي الذي تباشره محكمة الموضوع، ولا ريب أن محل تحقيق النيابة والمحكمة هو أصل المحرر المدعى تزويره، والله أعلم .

*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

Loading