كتابات

أعمال القاضي الصادرة بعد انتهاء فترة انتدابه

 

إذا انتدب القاضي للعمل قاضياً في محكمة أخرى غير المحكمة المُعين فيها، فإنه يكتسب الولاية في المحكمة المنتدب فيها، وتكون ولايته هذه مقيدة بالمدة المحددة في قرار ندبه، بحيث تزول ولايته في المحكمة المنتدب فيها بانتهاء المدة المحددة في قرار ندبه، ومن ثم يكون قضاءه بعد انتهاء فترة ندبه منعدماً لصدوره من غير ذي ولاية. وهذا ما قرره المشرع اليمني صراحةً في المادة (9) من قانون المرافعات التي أوجبت على القاضي في ولايته للقضاء التقيد بقرار ندبه، كما رتب في المادة (15) من ذات القانون على مخالفة ذلك انعدام العمل القضائي.

وقد أستثنى المشرع اليمني في المادة (13) مرافعات من ذلك القضايا التي سبق للقاضي المنتدب حجزها للحكم قبل انتهاء فترة ندبه، فإنه يجوز للقاضي الحكم فيها بعد انتهاء فترة ندبه، ويكون حكمه فيها صحيحاً، أما إذا حجز القضية للحكم بعد انتهاء فترة ندبه فإن هذا الحجز يكون بعد انتهاء ولايته ما يجعل الحكم الصادر منه منعدماً لصدوره من غير ذي ولاية قضائية.

غير أن قرار ندب القاضي للعمل في محكمة أخرى لا يلغي ولايته في المحكمة المُعين فيها، ومن ثم لا يُعتبر الحكم الصادر منه في المحكمة المُعين فيها خلال فترة انتدابه منعدماً؛ وذلك لأن إنهاء ولاية القاضي من عمله المُعين فيه لا يكون إلا بقرار نقل أو عزل صادر ممن يملكه وهو مجلس القضاء الأعلى وفقاً لأحكام قانون السلطة القضائية. غير أنه قد يتبادر فهم عكس ذلك من ظاهر عبارة (قبل صدور قرار نقله أو ندبه) الواردة في الفقرة الثانية من المادة (13) من قانون المرافعات التي رتبت المادة (15) من ذات القانون على مخالفتها الانعدام، فقد يفهم من ظاهر هذه العبارة انتهاء ولاية القاضي في المحكمة المُعين فيها بصدور قرار ندبه، بحيث ينعدم الحكم الصادر منه في قضايا المحكمة المُعين فيها التي لم يسبق له حجزها للحكم قبل صدور قرار ندبه. وبدورنا نرى أن هذه العبارة قد شابها عدم الضبط وعدم الدقة في استعمال المصطلحات، وأن المعنى الذي قد يتبادر من ظاهرها ليس هو المعنى الذي أراده المشرع ولا يتفق مع إرادة وقصد المشرع، وذلك لوجود قرائن صارفة تصرف تلك العبارة عن ظاهرها إلى المعنى الذي يستخلص من مجموع عبارات نص المادة (13) مرافعات، حيث أن المراد بانتفاء الولاية القضائية المتحقق في حالة الندب الذي رتب عليه المشرع اليمني جزاء الانعدام هو انتفاء ولاية القاضي المنتدب في المحكمة المنتدب فيها بانتهاء فترة ندبه، وليس المراد به انتفاء ولايته في المحكمة المُعين فيها بصدور قرار انتدابه كما يتبادر من ظاهر تلك العبارة التي شابها عدم الضبط وعدم الدقة في استعمال المصطلحات، ومن ثم فإن هذا الانتفاء المؤدي إلى الانعدام يتحقق عند صدور الحكم من القاضي المنتدب في قضية من قضايا المحكمة المنتدب فيها بعد انتهاء فترة ندبه، وليس عند صدور الحكم منه في قضية من قضايا المحكمة المُعين فيها بعد صدور قرار ندبه؛ وسندنا في ذلك الآتي:

1- ما قررته الفقرة الأولى من المادة (13) مرافعات كقاعدة عامة من منع القاضي الحكم بعد انتهاء ولايته لأي سبب من أسباب انتهاء الولاية التي أوردتها المواد السابقة لهذه المادة، والتي منها انتهاء مدة الندب الوارد في المادة (9) مرافعات التي أوجبت على القاضي التقيد في ولايته للقضاء بحدود ولايته الزمنية المحددة في قرار ندبه.

2- أن عبارة (قبل صدور قرار نقله أو ندبه) الواردة في الفقرة الثانية من المادة (13) مرافعات لم تورد بشأن ذات القاعدة العامة المقررة في الفقرة الأولى من هذه المادة التي تقرر منع القاضي من الحكم بعد انتهاء ولايته أياً كان سببها والتي منها انتهاء مدة الندب، وإنما وردت تلك العبارة متعلقة بالاستثناء الوارد على هذه القاعدة العامة الذي يقرر جواز حكم القاضي المنتدب بعد انتهاء مدة ندبه في القضايا التي حجزها للحكم قبل انتهاء مدة ندبه، وهذا الاستثناء الذي وردت بشأنه تلك العبارة يجب أن يفسر تفسيراً ضيقاً دون التوسع فيه، ومن ثم فإن هذا التفسير الضيق يقتضي حمل تلك العبارة على انتهاء ولاية القاضي المنتدب في المحكمة المنتدب فيها بانتهاء مدة الندب، وليس حملها على انتهاء ولاية القاضي المنتدب في المحكمة المُعين فيها بصدور قرار ندبه.

3- إن هذا التفسير الذي نراه يتفق مع ما يقتضيه المنطق من العودة إلى الأصل العام الذي كان قائماً قبل صدور قرار ندب القاضي بعد انتهاء المدة المحددة في قرار الندب، والذي يقرر عدم امتداد ولايته إلى غير المحكمة المُعين فيها.

Loading