تقارير

الدريهمي الصورة الأبشع لانتهاكات الإنسانية

تقرير: دينا الرميمة

منذ أن حوصرت مدينة الدريهمي في العام ٢٠١٧م كنا نسمع عن حجم الانتهاكات والقتل والتدمير والخذلان الذي لحق بهذه المدينة ذات الطينة السمراء ولكن الكثير منا لم يكن يتصور حجم تلك الهجمة الشرسة والخبث الشديد اللذين قوبلا بصبر عظيم وتكتيك استراتيجي وعسكري واستخباراتي من قبل المجاهدين مع أبناء هذه المدينة، وحتى لحظة عرض الفيلم الوثائقي الدريهمي مأساة وانتصار حينها تبين لنا أنها مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأنها الصورة الأوضح لموت الإنسانية والضمير العالمي وغياب القوانين والمواثيق التي بيعت بثمن بخس منذ لحظة العدوان الأولى على اليمن!

فلم تكن الدريهمي إلا صورة مصغرة لما تتعرض له اليمن من حصار وتدمير وقصف ومحاولة إركاع وإذلال بلقمة العيش ولحظة حياة دون خوف من عبث صواريخهم وخبث مرتزقتهم، ولم تكن أيضاً إلا نموذجاً من نماذج الصمود اليمني الذي كسر عنجهية العدوان وخيب كل رهاناته وأسقطها أرضاً تحت أقدام اليمنيين الذين أثبتوا للعالم أن لا شرعية ولا حق إلا لصاحب الأرض التي أنجبتهم وتمخضتهم لمثل هكذا ظروف ليكونوا حصنها الحصين في وجه كل غاز ومحتل. 

فما حدث بالدريهمي أشبه بمعجزة لا تؤتى إلا للأنبياء والأولياء الصالحين، فثلة من المؤمنين لا يتجاوز عددهم المائة نكلوا والحقوا الهزيمة بسبعة ألوية مجهزين بكل أنواع السلاح واستطاعوا بثقتهم بالله أن يصمدوا لعامين وثلاثة أشهر تحت وطأة الحصار والقصف لكل شيء في هذه المدينة الصامدة مع أهلها الذين آثروا البقاء بأرض تتلقف كل خبيث من العدو الذي لم يبق حجراً على حجر فيها، دمر فيها المنازل والمساجد والمراكز الصحية التي كلما استحدث المجاهدون مركزاً لإنقاذ الجرحى والمرضى جاء العدو واستهدفه في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية، حتى وصل الحال بسكان هذه المدينة مع المجاهدين إلى أكل أوراق الشجر من وطأة الحصار الخانق الذي فرضته قوى العدوان عليهم في ظل تواطؤ الأمم المتحدة التي كانت تذكرهم كل سنة بمعونات تقصف من قبل العدوان قبل أن يتبدد غبار سياراتهم، لكن معية الله كانت معهم حيث ابتكر رجال الله طرقاً لإيصال المواد الغذائية والدواء عبر الصواريخ وطيران الأباتشي التي سافرت إليهم دون توفر شروط الحماية فوصلت إليهم برعاية الله وثقة عباده المؤمنين بنصره

الدريهمي أراد العدو أن يتخذها نقطة ارتكاز للوصول إلى الحديدة وما كانت إلا محطة استنزاف له بشريا ومادياً، ظنوها لقمة سائغة ستبتلعها وحشيتهم وآلياتهم بأيام قليلة وما كانت إلا شوكة اختنقوا بها وجعلتهم يتقيأون دماً ودماء رخيصة لأجل المحتل والغازي، وحديداً دمر كل أحلامهم الصدئة في الحديدة وغيرها من المدن اليمنية، استخدموا فيها أسلوب الترهيب بحشودهم الكبيرة والمقدرة بسبعة الوية فما زادت المجاهدين إلا تحدياً واستبسالاً جعلهم يرون كل تلك الحشود وآلياتهم قشة أحرقها إيمانهم بالله وثقتهم بنصره وإيمانهم بأحقية قضيتهم، إنها فعلا المأساة التي لم تبق للإنسانية معنى كما هي أيضاً عنوان بارز للصمود اليماني الذي تحار اللغة في وصفه وتوصيفه وستسجلها أقلام التأريخ في أنصع صفحاته نصراً يمانياً يبلغ الآفاق ويمحو أي عنوان للبطولة من قبل ومن بعد.

Loading