كتابات

بين المظلومية والمسئولية

خالد يحيى حسين السوسوة*

إذا وقع نظرك على الشخص الذي يجلس جوار القاضي في منصة الحكم وهو يحدق بعينيه في وجوه الحاضرين في قاعة الجلسة ويستقر نظره في وجه أطراف الخصومة ولا تطرق مسامعه كلمة تخرج منهما إلا خطتها أنامله في محاضر متسلسلة لا يكون لها حجية قانونية إلا إذا عليها توقيعه وتوقيع القاضي الذي يرأس الجلسة، فاعلم أن هذا الشخص لا تقل أعماله أهمية عن أعمال القاضي، فهو يتحمل أعباء ملف القضية طوال فترة التقاضي، وهو يجدولها في سجل يومية الجلسات ويعرض أولياتها على القاضي، ويفهرس محتويات ملفها ويدون محاضر الجلسات التي تعقد فيها، ويستقبل ويرتب طلبات ودفوع المتقاضين وغيرها من المستندات التي يقدمها أطراف الخصومة ويلخص وقائعها وهكذا حتى صدور منطوق الحكم فيها.

ذلك الشخص هو أمين السر.

فأمناء السر يعملون مع القضاة في جميع الأعمال المسندة إليهم داخل المحاكم.

فأعمال أمانة السر كغيرها من المهام والأعمال التي قد تقع في المظلومية أو في التفريط بالمسئولية والضياع، فمن المتسبب في ضياع المسئولية عن أعمال أمانة السر؟

علينا أن ندرك أنه قد لا يختلف أمين السر عن القاضي إلا في المسمى الوظيفي، حيث يسمى أمين سر، وهو من نقصد بالذي تقع عليه المظلومية وهذا هو الشق الأول من الموضوع.

فلا راتب يتناسب مع ما يبذله من جهد ولا ترقيات ترفع من معنوياته ولا تأهيل يتيح له فرصة الالتحاق بأقرانه الذين حالفهم الحظ وحصلوا على درجات قضائية، والطامة الكبرى أنه وحتى الآن لا يوجد توصيف وظيفي لهذا المسمى، وكذلك لا حافز شهري ولا مقابل لأي أعمال إضافية يقوم بها خارج ساعات الدوام الرسمي، رغم إدراك الجميع أن أغلب أعمال أمين السر تتم خارج ساعات الدوام الرسمي، فهو يتواجد على منصة الحكم طوال فترة الدوام ومن ثم يقوم بالتخليص والكتابة خارج الدوام، هذه مظلوميته فقد حمل أسم كبير “أمين سر”، ولكن واقعه مرير.

أما الشق الثاني من الموضوع فهو التفريط بالمسئولية.

حيث أن أعمال أمانة السر متعددة فمنها أعمال إدارية وأخرى أعمال مختلطة بين الإدارية والقضائية، وهذا ما قصدناه بأنه لا فرق من حيث الأهمية بين أعمال أمين السر وأعمال القاضي، وهذه الأعمال تقع تحت إشراف القاضي وبذلك فأي تقصير في المتابعة والإشراف ينجم عنه اختلالات في أعمال أمانة السر فإن المسئولية تقع بالتبعية على القاضي، فلا عذر للقاضي ولا يحق له أن يلقي بالمسئولية واللوم على الجانب الإداري متمثلاً بالشئون القضائية ومدير المحكمة في المحاكم الاستئنافية من قبل رؤساء الشعب ولا على رؤساء أقلام الكتاب أ ومدير المحكمة في المحاكم الابتدائية كما يحصل من قضاتها، ودليل مسئوليتهم على الأعمال أنها تدخل في تقييمهم عند التفتيش القضائي عليهم، وقد أوضح كتاب كفاءة القاضي الفنية للقاضي الدكتور/ عبدالملك الجنداري ما يكفي لمن لا يزال من القضاة يرمي بالمسئولية واللوم على الجانب الإداري، لذلك ننصح بقراءة هذا الكتاب.

ونأمل أن يتحمل كلاً مسئوليته سواء الجانب الإداري أو القضائي في الإشراف والمتابعة، ونلفت أخواننا الأعزاء من قيادات السلطة القضائية النظر في مظلومية أمناء السر الحاصلين على مؤهل جامعي شريعة وقانون ولم يحضوا بدرجة قضائية وقد أمضوا فترة طويلة بعد تخرجهم من الجامعة في أعمال أمانة السر بمنحهم درجات قضائية بحسب المشروع الذي قدم إلى المكتب الفني في سنة 2008م وتأهيل من لم يحالفهم الحظ بالالتحاق بمعهد القضاء للدراسة عن بعد وهم في مقرات أعمالهم لكي لا يظلموا كما ظلم السابقون من الحاصلين على المؤهل الجامعي شريعة وقانون، ويمكن وضع دراسة للتأهيل عن بعد يشترك فيها معهد القضاء والإدارة العامة للتدريب والتأهيل وكذا الإدارة العامة للعلاقات والتوعية القضائية بالوزارة، هذا والله من وراء القصد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير عام محكمة استئناف م/ ذمار

Loading