دراسات وبحوث

تقادم الخصومة بمضي المدة أمام محكمة الاستئناف

المحامي الدكتور هشام قائد الشميري

قرر المشرع في المادة (216) من قانون المرافعات المعدلة عام ٢٠٢١م سقوط الخصومة بقوة القانون الذي يطلق عليه الفقه الاجرائي “تقادم الخصومة بمضي المدة” إذا توقف سيرها لمدة سنة ونصف من تاريخ آخر إجراء صحيح تم فيها، وذلك بما نصت عليه من أنه (مع مراعاة ما ورد في المادة (٨٦) إذا توقف سير الخصومة لمدة سنة ونصف من تاريخ أخر إجراء صحيح تم فيها نظرا لغياب المدعي سقطت الخصومة بقوة القانون..).

ويُقصد بتقادم الخصومة بمضي المدة انقضاء الخصومة وزوال جميع إجراءاتها بسبب عدم السير فيها مدة سنة ونصف من تاريخ آخر إجراء صحيح فيها بفعل المدعى أو امتناعه. والحكمة من انقضاء الخصومة بمضي المدة وضع حد زمني تنقضي الخصومة بمروره حتى لا تتراكم القضايا أمام المحاكم كون عدم سير الخصومة حالة شاذة وأن الخصومة لا يمكن أن تبقى إلى ما لا نهاية حتى لا تبقى مجرد وسيلة تهديدية بغرض الكيد.

ويثور التساول حول إمكانية إعمال جزاء تقادم الخصومة المقرر في المادة(216) من قانون المرافعات على خصومة الاستئناف، فهل توقف السير في خصومة الاستئناف مدة سنة ونصف يؤدي إلى تقادم خصومة الاستئناف؟

قرر المشرع اليمني صراحةً في المادة  (289) من قانون المرافعات إعمال أحكام تقادم الخصومة بمضي المدة على خصومة الاستئناف، وذلك بما نصت عليه من أنه (…وفيما لم يقض به القانون بنص خاص يتبع في شأن خصومة الاستئناف القواعد المتعلقة بما هو مقرر أمام محكمة الدرجة الأولى). وهذا بخلاف خصومة الطعن بالنقض فلا تسرى عليها أحكام تقادم الخصومة بمضي المدة، وذلك إعمالاً لنص المادة(303) مرافعات التي نصت على أنه (…ولا يسري على خصومة الطعن بالنقض بعد انعقادها أحكام تقادم الخصومة أو سقوطها أو وقفها أو انقطاعها).

ويشترط لتقادم الخصومة عدم السير في الخصومة، ويفترض هذا الشرط أن الخصومة قد بدأت ولم يصدر حكم في موضوعها إلا إن إجراءات الخصومة توقفت عن السير لأي سبب، حيث يستلزم لتقادم خصومة الاستئناف ضرورة انعقاد جلسات المحاكمة من قبل محكمة الاستئناف حتى يمكن الوقوف على آخر إجراء صحيح تم في خصومة الاستئناف كي يتم احتساب بدء فترة تقادم الخصومة الاستئنافية من تاريخ آخر إجراء صحيح في للخصومة . ويشترط أيضا انقضاء مدة سنة ونصف من تاريخ آخر إجراء صحيح تم في الخصومة، وذلك بأن يستمر عدم السير في الخصومة مدة سنة ونصف تبدأ من اليوم التالي لتاريخ آخر إجراء صحيح، سواءً قام بالإجراء الصحيح المستأنف أو المستأنف ضده أو كان ذلك الإجراء حكما صادراً في الخصومة.  كما يشترط أن يكون عدم السير في الخصومة راجعاً إلى فعل المستانف دون عذر، ويستوي أن يكون عدم السير بفعل المستانف أو امتناعه عن قصد أو عن إهمال، ويستثنى من ذلك حالة ما إذا كان عدم السير في الخصومة يرجع إلى مانع مادي يعد من قبيل القوة القاهرة كالحروب والفيضانات والإضراب العام، أو كان عدم السير فيها يرجع لمانع قانوني مثل تأخر الفصل في المسألة الاولية.

ويبدأ احتساب مدة تقادم الخصومة السنة والنصف في حالة ما إذا كان توقف سير الخصومة بسبب الوقف الجزائي من اليوم التالي لانقضاء مدة الوقف الذي حكمت به المحكمة، ويبدأ احتساب مدة تقادم الخصومة في حالة ما إذا كان توقف سير الخصومة بسبب الوقف التعليقي أو الوقف القانوني من اليوم التالي لزوال سببه وهو صدور الحكم في المسالة الأولية أو صدور الحكم في طلب رد القاضي مثلاً. أما إذا توقف سير الخصومة بسبب من أسباب انقطاع الخصومة فإنه يفرق بين فرضين؛ الاول توافر سبب الانقطاع في المدعي أو المستأنف فإن مدة التقادم يبدأ احتسابها من اليوم التالي لقيام المدعى عليه أو المستأنف ضده بإعلان من حل محل المدعي أو المستأنف المتوفي أو من حل محل من فقد أهليته او من زالت صفته فإذا لم يقم بالإعلان فإن الخصومة لا تتقادم لأن التقادم جزاء إجرائي لإهمال المدعي أو المستأنف لا المدعى عليه أو المستأنف ضده، والفرص الثاني توافر سبب من اسباب انقطاع الخصومة في المدعى عليه أو المستأنف ضده فإن احتساب مدة التقادم يبدأ من اليوم التالي لقيام المدعي أو المستأنف بإعلان القائم مقام من حل به سبب الانقطاع فإذا لم يقم بالإعلان فإن المدة تحسب من تاريخ آخر إجراء صحيح فيها والذي يتمثل في الجلسة السابقة على تحقق سبب الانقطاع.

وتنقطع مدة التقادم بأي إجراء صحيح يتم اتخاذه قبل انقضاء مدة تقادم الخصومة السنة والنصف، فإذا اتخذ إجراء صحيح قبل انقضاء مدة تقادم الخصومة السنة والنصف فإن المدة تنقطع وتبدأ مدة جديدة، ولكن يشترط في الإجراء الذي يقطع مدة تقادم الخصومة أن يكون إجراء صحيحاً من إجراءات الخصومة ذاتها وأن يتم الإجراء أمام نفس المحكمة، وبالتالي لا تنقطع مدة تقادم الخصومة إذا كان الاجراء باطلاً أو إذا اتخذ خارج الخصومة كالإقرار أو إذا تعلق بخصومة أخرى.

ويترتب على تقادم الخصومة زوال الخصومة وإلغاء جميع إجراءاتها وزوال كافة الآثار المترتبة على قيامها، ويترتب عليه أيضاً زول المطالبة القضائية بكل آثارها الإجرائية والموضوعية، كما أن تقادم الخصومة في الاستئناف يترتب عليه خروج النزاع عن ولاية المحكمة ويمتنع عليها النظر فيه ويجعل الحكم الابتدائي نهائياً. ويستثنى من ذلك الأثر بعض الأعمال الاجرائية التي تظل قائمة بالرغم من تقادم الخصومة، وهي الأحكام القطعية الصادرة في الخصومة قبل تقادمها كالأحكام الصادرة في شق من الموضوع والأحكام المستعجلة والأحكام الإجرائية الفاصلة في مسألة إجرائية، والإقرارات الصادرة في الخصومة والأيمان التي حلفوها، وكذا إجراءات التحقيق وأعمال الخبرة التي تمت حيث يجوز التمسك بها في خصومة أخرى ما لم تكن باطلة فى ذاتها. ولا يمتد أثر انقضاء الخصومة بالتقادم إلى سقوط الحق في الدعوى، فلا يؤثر تقادم الخصومة على الحق الموضوعي، بحيث يجوز للخصم رفع دعوى جديدة بإجراءات جديدة ما لم يكن الحق قد انقضى بالتقادم.

وقد أخذ المشرع اليمني بمبدأ عدم قابلية الخصومة للتجزئة فيما يتعلق بتقادمها بالنسبة للمدعين أو المستأنفين، ففي حالة تعدد المدعين أو المستأنفين فان التقادم يجب أن يكون لجميع المدعين أو المستأنفين سواء كان الموضوع قابلاً للتجزئة أو غير قابلاً للتجزئة، وهذا يؤدي إلى أن أي مدع أو مستأنف قدم إجراء قاطعاً للمدة فإن الآخرين يستفيدون منه لأن المدعى عليه أو المستأنف ضده لا يستطيع أن يختصم بعض الخصوم دون بعضهم الآخر. بينما في حالة تعدد المدعى عليهم أو المستأنف ضدهم إذا كان موضوع الخصومة قابل للتجزئة فان تقادم الخصومة بالنسبة لأحد الخصوم لا يترتب عليه تقادمها بالنسبة للباقين، أما إذا كان موضوع الخصومة غير قابل للتجزئة فإن تقادم الخصومة بالنسبة لأحد الخصوم يترتب عليه تقادمها بالنسبة للباقين، ويذهب جانب من الفقه إلى أن جزاء تقادم الخصومة بمضي المدة يتعلق بالنظام العام للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها؛ لأن تقادم الخصومة جزاء مقرر للمصلحة العامة، فهو جزاء يخدم المصلحة العامة المتمثلة في منع تراكم القضايا بسبب إهمال المدعي وعدم موالاته إجراءات الخصومة. بينما ذهب جانب آخر من الفقه إلى أن جزاء تقادم الخصومة بمضي المدة لا يتعلق بالنظام العام ولا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها؛ لأن تقادم الخصومة جزاء إجرائي خاص قرره القانون لمصلحة المدعى عليه أو المستأنف ضده ومن في حكمهما يجب أن يتم التمسك به ممن قرر لمصلحته عن طريق تقديم دفع بتقادم الخصومة أو عن طريق تقديم طلب أصلي بتقرير تقادم الخصومة. وبدورنا نؤيد الرأي الأخير الذي ذهب إلى أن جزاء تقادم الخصومة لا يتعلق بالنظام العام وإن كان يقع بقوة القانون؛ وسندنا في ذلك أن تقادم الخصومة جزاء إجرائي خاص لمصلحة المدعى عليه أو المستأنف ضده يجب أن يتم التمسك به ممن قرر لمصلحته عن طريق تقديم دفع أو طلب أصلي ولو كان أمام محكمة الاستئناف. وبناءً على ذلك إذا قام المدعي أو المستأنف بعد تقادم الخصومة بمضي المدة بتعجيلها فإنه يجوز للمدعى عليه أو المستأنف ضده الدفع بتقادمها بمضي المدة، كما يجوز له تقديم طلب أصلي بتقرير تقادم الخصومة بالاوضاع المعتادة لرفع الدعوى، ولا يجوز للمدعي أو المستأنف التمسك بتقادم الخصومة لأنه لم يشرع لمصلحته.

وإذا كان تقادم الخصومة بمضي المدة يؤدي إلى انقضاء وزوال الخصومة انقضاءً إجرائياً مبستراً دون الفصل في موضوعها فإنه يثور التساؤل حول مصدر ووقت تحقق أثر تقادم الخصومة في حالة ما إذا لم تقضِ به المحكمة، فهل يتحقق انقضاء الخصومة المبستر بقوة القانون بمجرد توافر المقتضيات والشروط التي تطلبها القانون لهذا الجزاء المؤدي إلى الانقضاء دون حاجة إلى الحكم به من المحكمة أم أنه لا يتحقق بمجرد توافر مقتضياته وشروطه التي تطلبها القانون وإنما من وقت صدور حكم من المحكمة به؟

قرر المشرع في المادة216) ) مرافعات أن جزاء تقادم الخصومة بمضي المدة يعد جزاءً وجوبياً يقع بقوة القانون ويرتب أثره القانوني في انقضاء الخصومة بمجرد توافر مقتضياته وشروطه القانونية دون حاجة إلى الحكم به من المحكمة التي يُعتبر حكمها به مجرد حكماً مقرراً له وليس حكماً منشئاً له؛ وسندنا في ذلك ما جاء في المادة(216)  مرافعات من عبارة(سقطت الخصومة بقوة القانون.

وبالتالي إذا توافرت المقتضيات والشروط التي حددها القانون لإيقاع جزاء تقادم الخصومة الوجوبي الذي يقع بقوة القانون دون أن تقضِ به المحكمة بالرغم من تمسك الخصم صاحب المصلحة به فإن ذلك يؤدي إلى تعييب الأعمال الإجرائية المتخذة في الخصومة بعد توافرها بعيب الانعدام؛ وذلك لأن جزاء تقادم الخصومة يعد من الجزاءات الإجرائية الوجوبية المؤدية إلى انقضاء الخصومة المبستر بقوة القانون التي يتحقق أثرها في زوال الخصومة المترتب عليه الانعدام بمجرد توافر الشروط القانونية الموجبة لإيقاعها دون حاجة إلى الحكم بها من المحكمة الذي يُعد مجرد حكماً مقرراً لها وليس حكماً منشئاً لها. ووفقاً لذلك فإن مجرد توافر المقتضيات والشروط القانونية الموجبة لإيقاع جزاء تقادم الخصومة الوجوبي المؤدي إلى انقضاء الخصومة المبستر بقوة القانون يعدم الخصومة ولا يعيبها بالبطلان فحسب، بحيث تكون الإجراءات المتخذة بعد توافر الشروط الموجبة لإيقاعه بالرغم من تمسك الخصم صاحب المصلحة به منعدمة بما في ذلك الحكم الصادر في موضوعها لصدوره في غير خصومة وفقاً لنص المادتين(56)،217)) مرافعات؛ وذلك لأن العمل القضائي الصادر بعد زوال أو انقضاء الخصومة يعد منعدماً لصدوره دون خصومة، فلا يكفي لوجود العمل القضائي نشأة وانعقاد الخصومة القضائية وإنما يلزم لوجوده أيضاً أن تظل هذه الخصومة قائمة ومستمرة حتى صدور الحكم فيها، وليس أدل على ذلك أن المشرع اليمني في المادة (217) مرافعات التي أوردت أركان الحكم الأساسية عرف الحكم بأنه:”قرار مكتوب صادر في خصومة معينة..” ويستفاد من دلالة هذا النص القانوني أنه يتطلب لوجود الحكم بقاء الخصومة قائمة ومستمرة حتى صدور الحكم فيها وإلا كان الحكم الصادر بعد انقضاء الخصومة لأي سبب منعدماً لصدوره دون خصومة.

كما أن نقض الحكم الاستئنافي من المحكمة العليا وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً يزيل الحكم الاستئنافي المنقوض ويفتح للخصومة طريق العودة إلى محكمة الاستئناف لمتابعة السير فيها ويكون تحريك الخصومة أمام المحكمة الاستئنافية بعد نقض حكمها بتعجيلها من صاحب المصلحة من الخصوم، ويجرى عليها من تاريخ صدور حكم المحكمة العليا أحكام سقوط الخصومة وانقضائها فإذا أهمل من صدر حكم المحكمة العليا لصالحه ولم يعجل الخصومة أمام محكمة الاستئناف خلال مدة السنة والنصف كان لكل ذي مصلحة من الخصوم أن يطلب التقرير بتقادم الخصومة عملاً بنص المادة (216) مرافعات. وتبدأ تلك المدة من تاريخ صدور حكم المحكمة العليا باعتبار أنه أخر إجراء صحيح تم في الخصومة، ولا يغير من ذلك وفاة محامي الطاعن قبل صدور حكم المحكمة العليا لأن الطاعن هو الذي رفع الطعن الذي صدر فيه ذلك الحكم ومن ثم فإن علمه بصدوره يعتبر متحققاً قانوناً ولا ينتفي هذا العلم بوفاة المحامي الذي كان يباشر الطعن عنه أمام المحكمة العليا قبل صدور حكمها لأن هذه الوفاة ليس من شأنها أن تحول بينه وبين الوقوف على ما تم في الطعن وتعجيل الخصومة أمام محكمة الاستئناف قبل أن يدركها السقوط فليس المحامي هو السبيل الوحيد لمعرفة الحكم ومن ثم فإن وفاة محامي الطاعن لا تعتبر من قبيل القوة القاهرة التي يستحيل معها السير في الخصومة.

والله ولي الهداية والتوفيق،،،،

Loading