كتابات

الأثر المترتب على عدم تحرير مسودة الحكم القضائي

المحامي الدكتور/ هشام قائد عبدالسلام الشميري

 

اعتبر المشرع اليمني الكتابة عنصراً وركناً شكلياً لازماً لوجود الحكم القضائي رتب على تخلفه انعدام الحكم، وذلك بما قرره صراحةً في المادة (56) من قانون المرافعات من انعدام الحكم إذا فقد أحد أركانه المنصوص عليها في المادة (217) من ذات القانون التي عرفت الحكم القضائي بأنه:”قرار مكتوب”، ووفقاً لذلك فإنه يعد من الأركان الأساسية للحكم القضائي اللازمة لوجوده القانوني ركن الشكل الذي يُقصد به أن يكون الحكم مكتوباً بالشكل المقرر قانوناً وموقعاً عليه من القاضي، وإن كان المشرع اليمني قد اعتبر كتابة ورقة الحكم القضائي ركناً من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده، غير أن ذلك كان محل خلاف بين الفقه والقضاء بشأن المراد بورقة الحكم التي يترتب على عدم كتابتها انعدام الحكم هل المراد بها مسودة الحكم أم نسخة الحكم الأصلية أم كليهما؟

ذهب جانب من الفقه والقضاء إلى أن المراد بورقة الحكم نسخة الحكم الأصلية، فالعبرة هي بنسخة الحكم الأصلية باعتبارها المرجع في أخذ الصورة التنفيذية وفي الطعن عليه من ذوي الشأن، وليس العبرة بمسودة الحكم التي تُعتبر بمثابة مشروع الحكم والتي لا تعدو أن تكون ورقة لتحضير الحكم، ومن ثم فان عدم تحرير مسودة الحكم مع وجود نسخته الأصلية يرتب البطلان وليس الانعدام.

بينما ذهب جانب آخر من الفقه والقضاء إلى أن المقصود بورقة الحكم مسودة الحكم، فالعبرة هي بمسودة الحكم وليس بنسخته الأصلية التي لا تعدو أن تكون مستنداً ذا طبيعة توثيقية، ومن ثم فإن عدم تحرير مسودة الحكم مع وجود نسخته الأصلية يرتب انعدام الحكم القضائي؛ وذلك لأنه من هذه المسودة يتم تحرير النسخة الأصلية للحكم بعد النطق به ويتم نقل الأسباب والمنطوق من هذه المسودة إلى النسخة الأصلية عند تحريرها، وباعتبار أن المداولة قد تمت على أساس البيانات الواردة في المسودة التي تتضمن أساس وجوهر الحكم وهو أسبابه ومنطوقة، بينما النسخة الأصلية للحكم فهي مستند ذو طبيعة توثيقية تحرر من واقع المسودة.

في حين ذهب بعض الفقه والقضاء إلى أن المراد بورقة الحكم مسودة الحكم والنسخة الأصلية للحكم معاً، وإن عدم تحرير أحدهما مع وجود الأخرى يرتب الانعدام؛ لأن القانون جعل كتابه الحكم من مسودة ومن نسخة أصلية، فلا تكتمل كتابة الحكم إلا بتحرير مسودته ونسخته الأصلية.

وبدورنا نؤيد الرأي الأخير الذي ذهب إلى أن المراد بورقة الحكم مسودة الحكم والنسخة الأصلية للحكم معاً، وأن عدم تحرير أحدهما مع وجود الأخرى يرتب الانعدام؛ وذلك لأن المشرع اليمني في المادتين (225،228) مرافعات أوجب كتابة الحكم من مسودة ومن نسخة أصلية، ما يعني أن ركن كتابة الحكم لا يستكمل إلا بتحرير مسودته ونسخته الأصلية، كما أن المشرع اليمني أوجب في المادة (228) مرافعات على القاضي ألا يوقع على نسخة الحكم الأصلية إلا بعد مراجعتها بمسودة الحكم والتأكد من مطابقة نسخة الحكم الأصلية مع ما جاء في مسودة الحكم، ما يعني أن ركن الكتابة لا يستكمل بتحرير النسخة الأصلية للحكم، وإنما لابد أيضاً من تحرير مسودته التي تتضمن أساس وجوهر الحكم وهو منطوقة وأسبابه، لأن نسخة الحكم الأصلية تؤخذ من مسودة الحكم مضافاً إليها البيانات التي أوجبها القانون توافرها في نسخة الحكم الأصلية.

ووفقاً لذلك فإن الانعدام المترتب على عدم كتابة ورقة الحكم يتحقق عند عدم تحرير مسودة الحكم ونسخته الأصلية معاً، ويتحقق أيضاً عند عدم تحرير مسودة الحكم ولو مع وجود نسخته الأصلية، ويتحقق كذلك عند عدم تحرير النسخة الأصلية للحكم مع وجود مسودته، غير أننا نؤيد ما ذهب إليه بعض الفقه بحق من أن جزاء الانعدام المترتب على عدم تحرير النسخة الأصلية للحكم مع وجود مسودته لا ينال من الحكم ذاته كتصرف قانوني، وإنما ينال فقط من نسخة الحكم الأصلية ذاتها كمحرر أراد به المشرع توثيق الحكم القضائي؛ لأن هذا العيب تالٍ لوجود الحكم الذي يوجد بالنطق به قبل تحرير نسخته الأصلية، إذ أن القول بغير ذلك يؤدي إلى أن يُعاب الحكم لسبب تالٍ للنطق به –أي لوجوده– وليس إلى سبب مُصاحب لنشأته، وهذا يتنافى مع مفهوم جزاء الانعدام، بل والبطلان الذي يكون السبب المؤدي إليه مصاحباً لنشأة العمل الإجرائي، فلا يستقيم القول بتعييب الحكم ذاته كتصرف قانوني بعيب ينفي وجوده أو صحته، تالٍ على نشأة ووجود الحكم.

وقد استتبع اختلاف الفقه والقضاء بشأن المراد بورقة الحكم اختلافهم بشأن الجزاء المترتب على عدم تحرير مسودة الحكم ولو مع وجود نسخته الأصلية، فالقائلون بأن العبرة بمسودة الحكم ونسخته الأصلية معاً والقائلون أيضاً بأن العبرة بمسودة الحكم وليس بنسخته الأصلية قد ذهبوا إلى انعدام الحكم إذا لم يتم تحرير مسودته ولو مع وجود نسخته الأصلية، بينما ذهب القائلون بأن العبرة بنسخة الحكم الأصلية وليس بمسودته إلى أن عدم تحرير مسودة الحكم مع وجود نسخته الأصلية يترتب عليه بطلان الحكم وليس انعدامه، وبدورنا نؤيد الرأي الذي ذهب إلى انعدام الحكم إذا لم يتم تحرير مسودته ولو مع وجود نسخته الأصلية؛ وذلك لأن هذا الرأي يتفق مع ما انتهينا إليه من أن المراد بورقة الحكم مسودة الحكم ونسخته الأصلية معاً، فلا يكتمل ركن الكتابة بتحرير نسخة الحكم الأصلية، وإنما لابد أيضاً من تحرير مسودته التي تتضمن أساس وجوهر الحكم منطوقة وأسبابه، وإلا كان الحكم منعدماً، ويدعم رأينا هذا ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة (288) مرافعات التي نصت على أنه: “3- موت القاضي أو مرضه المقعد لا يؤثر على وجود وصحة الحكم الذي وقع على مسودته…”، ويفهم من هذا النص القانوني أن وجود الحكم يقوم على توقيع القاضي على مسودته، فلا يؤثر على وجوده وصحته عدم توقيع القاضي على نسخة الحكم الأصلية لوفاته أو مرضه المقعد مادام أن مسودته موجودة وموقعة من جميع هيئة الحكم، ما يعني أن العبرة هي بمسودة الحكم وليس بنسخته الأصلية، كما أن جزاء البطلان المقرر في الفقرة الأولى من المادة (225) مرافعات لا يترتب على عدم تحرير المسودة، وإنما يترتب على تأخر تحرير مسودة الحكم إلى ما بعد النطق بالحكم، ودليل ذلك ما جاء في صدر هذه المادة من عبارة (بعد تمام المداولة وقبل النطق بالحكم يجب أن تعد المحكمة مسودة الحكم…وإلا كان الحكم باطلاً)، ودليل ذلك أيضاً ما قررته الفقرة الثانية من هذه المادة أن عدم إيداع المسودة ملف القضية عند النطق بالحكم يعد قرينة على تأخر تحرير المسودة إلى ما بعد النطق به.

ولا يفرق بين عدم تحرير مسودة الحكم أصلاً وبين عدم التوقيع على مسودة الحكم من جميع قضاة الهيئة، حيث أن عدم التوقيع على مسودة الحكم من جميع قضاة الهيئة يعادل عدم تحرير مسودة الحكم الذي يجعل الحكم منعدماً، فإذا أودعت مسودة الحكم ملف القضية خالية من توقيع جميع قضاة الهيئة فإن هذا يرتب انعدام الحكم حتى ولو وجدت نسخته الأصلية وكانت موقعة من جميع القضاة؛ وذلك لأن تحرير المسودة لا يستكمل إلا بتوقيعها، وتوقيعها لا يستكمل إلا بتوقيع جميع القضاة ومن ثم فإن عدم توقيع المسودة من أحد القضاة يعادل عدم تحريرها، وأن عدم التوقيع على المسودة من أحد القضاة يدل على عدم اشتراكه في الحكم وهذا يعادل صدور الحكم من عدد من القضاة أقل من العدد المقرر قانوناً الذي رتب عليه المشرع جزاء الانعدام في المادتين (11، 15) مرافعات، كما أن الكتابة لا تدل على كاتبها بغير توقيع والمسودة التي تخلو من توقيع القاضي مثلها مثل أية ورقة رسمية تفقد بذلك صفتها الرسمية لعدم توقيعها من الموظف المختص ومتى فقدت هذه الصفة فلا يتصور أن تحوز أية حجية قانونية وهي الدليل الوحيد على صدور الحكم من القاضي.

 والله ولي الهداية والتوفيق،،،

Loading